السعودية: حمل هذه الورقة الصغيرة الزامي على جميع الحجاج مهما كانت الظروف ومن يفقدها ممنوع من أداء المناسك

حمل هذه الورقة الصغيرة الزامي على جميع الحجاج مهما كانت الظروف
  • آخر تحديث

في قلب المشاعر المقدسة، حيث تنساب أفواج الحجيج من منى إلى عرفات ثم إلى مزدلفة في مشهد روحاني مهيب تتناغم فيه الأصوات والتكبيرات، يقف رجل خمسيني تتأرجح على صدره بطاقة إلكترونية.

حمل هذه الورقة الصغيرة الزامي على جميع الحجاج مهما كانت الظروف

قد تبدو هذه البطاقة للوهلة الأولى مجرد وسيلة تعريف، لكنها في الواقع تحمل في داخلها تحول جوهري في الطريقة التي يدار بها موسم الحج، وتترجم نقلة نوعية في فلسفة الخدمة والتنظيم.

كيف تحولت هوية الحاج إلى رمز رقمي متقدم؟

كان الحج في السابق يعتمد على بطاقات ورقية تقليدية أو أساور بسيطة تسجل فيها بيانات الحجاج. إلا أن التطور التكنولوجي الذي تشهده المملكة العربية السعودية قلب هذا المفهوم رأسًا على عقب. جاءت "بطاقة نسك" كحل رقمي متكامل، لتكون امتداد ذكي لهوية الحاج.

هذه البطاقة تحتوي على معلوماته الأساسية، تفاصيل خطته الزمنية خلال أيام الحج، موقع إقامته، وتفاصيل تحركاته وتنقلاته بين المشاعر.

وقد صممت لتكون أداة مرنة وعملية في يد الجهات المنظمة، وتشكل في ذات الوقت بوابة رقمية آمنة للحاج نفسه، تسهل له الوصول إلى خدماته دون عناء.

بطاقة واحدة تدير ملايين الخطوات في موسم الحج

بحسب ما أوضحته وزارة الحج والعمرة، فإن بطاقة "نسك" تمثل جزء من مشروع طموح يهدف إلى إدارة تجربة الحاج باحترافية وابتكار، وتحقيق أعلى معايير الراحة والأمان له خلال تنقله بين المشاعر.

فور وصول الحاج إلى المملكة، يتم تفعيل البطاقة وربطها بالأنظمة المركزية التابعة للجهات الأمنية والصحية والتنظيمية.

ومنذ تلك اللحظة، تتحول بطاقة نسك إلى أداة تنسيق عالية الكفاءة تساعد على تنظيم حركة الحجيج، وتقليل الازدحام، وتوجيه الحاج نحو المسارات الصحيحة، وصول إلى تقديم الرعاية الصحية أو الدعم الفوري متى ما احتاج إليه.

كيف تدير البطاقة ملايين الحجاج دون تعقيد؟

إن أحد أعقد التحديات في موسم الحج يتمثل في تنظيم الحشود البشرية الهائلة التي تتنقل في أوقات متقاربة وأماكن محددة.

ومن هنا جاءت "نسك" لتكون أداة تنظيم ناعمة وذكية، تحقق الانسيابية والانضباط دون الإخلال بالسياق الروحي للمناسك.

البطاقة تمكن رجال الأمن والإسعاف والمتابعة من تحديد موقع الحاج بدقة، وتسمح لهم بالوصول السريع إليه عند الحاجة، كما تساعد على التأكد من التزامه بخطته المقررة، وتقلل من حالات التوهان أو التخلف عن المواعيد، وهي تحديات لطالما واجهت الجهات المعنية في السابق.

أكثر من بطاقة

التحول الذي تمثله بطاقة "نسك" لا يقتصر فقط على كونه تحديث في طريقة إدارة الحشود، بل هو انعكاس لمشروع وطني أوسع تسعى فيه المملكة إلى التحوّل الكامل نحو الحكومة الرقمية.

فهذه البطاقة ليست سوى حلقة من منظومة مترابطة تضم الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة، وتكامل الأنظمة بين الوزارات والجهات المختلفة.

هذه المقاربة الجديدة تحول رحلة الحاج إلى تجربة رقمية متكاملة، تتسم بالسلاسة والمرونة، وتعكس الجدية التي تتعامل بها المملكة مع ضيوف الرحمن، حيث أصبح الخدمة فن وتقنية، والإدارة علم يتطور باستمرار.

كل تفصيل له دلالة

عندما يعلق الحاج "بطاقة نسك" على صدره، فهو لا يحمل مجرد بطاقة إلكترونية، بل يحمل رمز لهوية وطن جعل من خدمة الحجيج شرف وغاية ومصدر فخر.

فكل تفصيل في البطاقة من تصميمها، إلى طريقة تفعيلها، وحتى آلية استخدامها يجسد سنوات من العمل والتخطيط، وتكامل الجهود بين مئات الفرق، من التقنية إلى الصحة، ومن الأمن إلى التنظيم.

هذه البطاقة تمثل قصة بلد يحتفي بالإنسان، ويكرّس طاقاته ليجعل من رحلة الحج تجربة لا تنسى، يجتمع فيها الإيمان مع الراحة، والروحانية مع التكنولوجيا، والعبادة مع الإدارة الرشيدة.

الحج في ثوب المستقبل

إن مشروع "نسك" يعكس تحول المملكة العربية السعودية من مجرد دولة تدير موسم الحج إلى دولة تبدع في صناعته رقميا وروحيا.

ففي كل عام، ومع كل حاج، تكتب قصة جديدة تضيف إلى هذا التحول بعد إنساني وتقني غير مسبوق.

وها هو الحاج، وهو يتنقل بين شعائر النسك، لا يَحمل على صدره بطاقة عادية، بل يحمل علامة فارقة على أن التنظيم والإيمان يمكن أن يتعايشا بانسجام، وأن التحول الرقمي في السعودية لم يغفل عن أقدس المشاعر وأعظم الرحلات.