الحصيني : خلال ساعات تنطلق أقوى موجات الحر في السعودية وهذه المناطق ستشهد درجات حرارة قياسية

خلال ساعات تنطلق أقوى موجات الحر في السعودية
  • آخر تحديث

تترقب الأوساط الفلكية والمهتمون بعلوم المناخ في المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية حدث فلكي موسمي بالغ الأهمية، يتمثل في ظاهرة الانقلاب الصيفي، والمقرر حدوثها يوم السبت الموافق 25 من شهر ذي الحجة 1446هـ.

خلال ساعات تنطلق أقوى موجات الحر في السعودية

هذا الحدث لا يقتصر فقط على كونه ظاهرة فلكية، بل يعد علامة فارقة تشير إلى بداية فصل الصيف فلكيا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ويشكل مرجع زمني بالغ الدقة يعتمد عليه في تحديد الفصول وتغيرات موقع الشمس الظاهري في السماء.

تعامد الشمس على مدار السرطان

يوضح الباحث في الطقس والمناخ عبدالعزيز الحصيني أن الانقلاب الصيفي يتميز بتعامد أشعة الشمس بشكل مباشر على مدار السرطان، والذي يعد أقصى نقطة تصل إليها الشمس شمال خلال حركتها السنوية الظاهرية حول الأرض.

ويقع هذا المدار بالقرب من محافظة حوطة بني تميم، جنوب العاصمة الرياض، مما يمنح المملكة موقع جغرافي فريد يتيح فرصة نادرة لرصد الظاهرة بدقة عالية ووضوح استثنائي.

في هذه اللحظة الفلكية، تصل الشمس إلى أعلى نقطة لها في السماء عند الظهر، ما يؤدي إلى اختفاء الظلال تقريبا في الأماكن الواقعة مباشرة على المدار، وهو ما يشكل فرصة ثمينة للباحثين وهواة الفلك للتوثيق والرصد والمقارنة.

أطول نهار وأقصر ليل

يشير الحصيني في منشور على منصة "إكس" إلى أن الانقلاب الصيفي يعد بمثابة النقطة الزمنية التي يسجل فيها أطول نهار وأقصر ليل في العام بالنسبة لسكان النصف الشمالي من الكرة الأرضية.

وعقب هذا اليوم، تبدأ ساعات النهار في التناقص تدريجي مقابل تمدد ساعات الليل، في دورة زمنية تكتمل عند حلول الاعتدال الخريفي.

هذه الظاهرة لا تمثل مجرد تغير في طول الليل والنهار، بل تعكس بداية تحول مناخي فعلي، تتزايد فيه درجات الحرارة وتتصاعد فيه تأثيرات الإشعاع الشمسي المباشر على الأرض، لا سيما في المناطق الصحراوية كمنطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية.

الإرث العربي والفلكي

ما يلفت النظر في هذه الظاهرة أن العرب القدماء كانوا يدركونها منذ قرون طويلة رغم غياب الأدوات العلمية المتقدمة، وأطلقوا عليها مصطلح تراثي وهو "حر الانصراف".

يقولون: "لا حر إلا بعد الانصراف"، في إشارة إلى أن أشد فترات الحرارة لا تبدأ إلا بعد أن تبدأ الشمس رحلة انصرافها جنوبا بعد بلوغها أقصى ميل شمالي.

هذه المعرفة الفلكية intuitive التي امتلكها العرب، والتي ارتبطت بتجاربهم الحياتية في الزراعة والسفر والرعي، تظهر كيف أن الملاحظة الموسمية الدقيقة كانت توازي في أهميتها أدوات القياس الحديثة.

الأساس العلمي للانقلاب الصيفي: ميلان الأرض ومصدر الفصول

تفسر هذه الظاهرة علميا بكونها نتيجة لميل محور دوران الأرض بمقدار حوالي 23.5 درجة أثناء دورانها حول الشمس.

هذا الميل هو ما يؤدي إلى تغير زاوية سقوط أشعة الشمس على سطح الأرض خلال العام، مما ينتج الفصول الأربعة وتفاوت طول النهار والليل بين الصيف والشتاء.

أثناء الانقلاب الصيفي، تتعامد الشمس على خط عرض 23.5 درجة شمال، أي على مدار السرطان، وهو ما يميز تلك اللحظة الفلكية النادرة التي تتكرر مرة واحدة سنويا.

انعكاسات مناخية مباشرة

على الصعيد المناخي، لا تمر هذه الظاهرة دون تأثيرات واضحة وملموسة، حيث تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع تدريجي وتدخل منطقة الجزيرة العربية والخليج مرحلة تعرف بموجات الحر القاسية.

وتصبح أشعة الشمس أكثر عمودية وأشد حدة، خصوصا في ساعات الظهيرة، مما يزيد من خطر الإجهاد الحراري وضربات الشمس، ويستدعي اتباع إرشادات السلامة من قبل العامة والمؤسسات.

تزداد الحاجة خلال هذه الفترة إلى تقنين الأنشطة الخارجية، وتوفير التكييف والتهوية الكافية، والحرص على ترطيب الجسم واستخدام أدوات الحماية الشخصية عند التعرض المباشر لأشعة الشمس.

تأثير واسع يتجاوز المناخ

لا تقتصر أهمية الانقلاب الصيفي على المهتمين بالفلك والمناخ فقط، بل تمتد آثاره إلى القطاعات الزراعية والبيئية والطاقة.

فالمزارعون يعتمدون على هذه العلامات الطبيعية في توقيت الزراعة والحصاد، بينما توجه الجهات المختصة مشاريع الطاقة الشمسية بناء على طول فترة سطوع الشمس في هذا التوقيت.

كما تساعد الظواهر الموسمية في تخطيط الموارد المائية، وتحليل الاحتياجات من الطاقة والتبريد، إضافة إلى استخدامها في التخطيط الحضري والبنية التحتية من حيث توجيه المباني والطرق بما يحقق الكفاءة المناخية والبيئية.

دعوة للمراقبة والتعلم

يختتم عبدالعزيز الحصيني حديثه بتأكيد أهمية هذه الظواهر كفرص تعليمية وتوعوية، داعي المهتمين والطلاب وهواة الفلك إلى مراقبة الانقلاب الصيفي هذا العام لما يحمله من دروس في الانضباط الكوني ودقة النظام الشمسي.

ويرى أن إعادة الربط بين العلم الحديث والموروث العربي يظهر كيف أن ما يرصد اليوم بالأقمار الصناعية والتلسكوبات، كان يعرف قديما بالبصر والملاحظة والشعور بالتغيرات الطبيعية، وهو ما يدل على الانسجام العميق بين الإنسان والكون في الماضي والحاضر.