هذا ما يجب أن يعرفه الحجاج عن طريق الهدا بين مكة والطايف والمناطق التي يمر بها

هذا ما يجب أن يعرفه الحجاج عن طريق الهدا بين مكة والطايف
  • آخر تحديث

تروي الجبال الشاهقة الممتدة بين الطائف ومكة قصة طريق عريق لا يزال حتى اليوم يشهد مرور القوافل المتجهة إلى بيت الله الحرام.

هذا ما يجب أن يعرفه الحجاج عن طريق الهدا بين مكة والطايف

إنه طريق عقبة الهدا، أو ما عرف تاريخيا باسم طريق جبل كرا، الذي شكل عبر العصور صلة وصل بين جبال السروات العتيقة والمشاعر المقدسة، محفور في الذاكرة الإسلامية كمعبر سلكه الأنبياء والصالحون والحجيج في طريقهم نحو مكة المكرمة.

واليوم، وبين تعاقب الأزمنة، تحول هذا المسلك الوعر إلى شريان حيوي مزدوج حديث، يجمع بين عبق الماضي وروح الحاضر.

الطريق التاريخي الذي عبرته قوافل الحجاج والمعتمرين

تشير المصادر القديمة إلى أن طريق عقبة الهدا هو من أقدم المسارات الجبلية التي اتخذها الحجاج للوصول إلى مكة المكرمة، خاصة أولئك القادمين من الطائف.

وكان يعرف باسم طريق جبل كرا، نسبة إلى الجبل الذي يخترقه، ويرتبط ارتباط مباشر بمشعر عرفات ثم بالحرم المكي الشريف.

وقد وثق العلامة إبراهيم بن إسحاق الحربي هذا الطريق في كتابه الشهير "المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة"، قائلا: "تخرج من عرفة على جبل يدعى كرا، يظهر على حرة غزيرة المنابت تسمى الهدة، ومنها إلى الطائف."

وهذه الإشارة توضح كيف كان الطريق يربط الطائف بعرفات، ومن ثم يؤدي إلى مكة، عبر منحدرات طبيعية شديدة الانحدار، وعرة، وخطرة، قبل أن تعبد في العصور الحديثة.

من الطائف إلى مكة عبر الهدا

ينطلق هذا الطريق من الطائف، وتحديد من منطقة الهدا، التي ترتفع عن سطح البحر بأكثر من 2000 متر، وتعد من أجمل مصايف المملكة بطبيعتها الجبلية ومناخها المعتدل.

من الهدا، ينحدر الطريق بشكل متسلسل عبر منعطفات حادة ومنحدرات صخرية وعرة، وصول إلى مشارف عرفات، ثم إلى مكة المكرمة.

وقد سلك النبي محمد ﷺ هذا الطريق خلال إحدى رحلاته من الطائف إلى مكة، ما يضفي عليه مكانة روحانية عميقة، ويمنحه بعد تاريخي يفوق قيمته الجغرافية.

التحول الحديث

عرف طريق عقبة الهدا طفرة نوعية كبيرة خلال العهد السعودي، حيث تم شقه وتعبيده في عام 1370هـ (1950م) ليكون أحد أوائل الطرق الجبلية الحديثة في المملكة، وقد استخدم في رصفه الحجر والجير لضمان صلابته ومتانته.

ووثقت صحيفة أم القرى ووزارة المواصلات حينها هذا المشروع الوطني الحيوي، الذي قام الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله بتفقده أثناء فترة تنفيذه حينما كان ولي للعهد.

منذ ذلك الحين، تحول الطريق من ممر خطير إلى طريق مزدوج وسريع، يخدم مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين سنويا.

شريان سياحي وديني يجمع بين الأصالة والتنمية

رغم توفر طريق السيل الكبير كبديل ميسر وأقل وعورة، إلا أن طريق الهدا ظل مفضل لدى شريحة واسعة من الحجاج والمعتمرين، خاصة أولئك الذين يمرون عبر ميقات وادي محرم، الذي يبعد قرابة 80 كيلومتر عن مكة المكرمة.

وقد تم إنشاء مسجد ميقات عصري مزود بكافة الخدمات الأساسية، لتسهيل أداء الإحرام للحجاج والمعتمرين القادمين عبر هذا المسلك.

ويمثل طريق الهدا نقطة التقاء بين الأبعاد الدينية والتنموية، فهو لا يخدم فقط قاصدي البيت الحرام، بل يشكل أيضا رافد سياحي موسمي يعزز من حركة الزوار في مصايف الطائف.

الهيئة العامة للطرق ودورها في تطوير قطاع النقل لخدمة الحجاج

في ظل رؤية المملكة العربية السعودية لتعزيز قطاع الحج والعمرة، يعد قطاع الطرق من القطاعات الإستراتيجية التي تسهم في دعم حركة الحجاج والمعتمرين.

وتشرف الهيئة العامة للطرق على هذا القطاع الحيوي، من خلال وضع السياسات والتشريعات اللازمة لضمان جودة وكفاءة البنية التحتية.

وتركز الهيئة في استراتيجيتها على ثلاثة محاور رئيسية:

  • السلامة المرورية على الطرق.
  • جودة التنفيذ والصيانة.
  • تحسين الكثافة والانسيابية المرورية، خاصة في المواسم الدينية.

ويعد طريق الهدا نموذج حي لهذا التطوير، حيث يجمع بين الإرث الديني والمقومات الحديثة لخدمة ملايين الزوار على مدار العام.

عقبة الهدا طريق العابرين إلى الرحمة

يبقى طريق عقبة الهدا شاهد صامت على قرون من السعي والطاعة، فقد عبرته أقدام الأنبياء، وسارت فيه قوافل الحجيج، وخلد في كتب الجغرافيين والمؤرخين.

واليوم، يمثل أحد أعمدة الربط المكاني والروحي بين الطائف ومكة المكرمة، ووجه مشرق من وجوه العناية السعودية بالبنية التحتية لخدمة الحرمين الشريفين.