المسند: هذه المناطق في السعودية ستشهد أجواء ربيعية باردة طوال فترة الصيف في السعودية

هذه المناطق في السعودية ستشهد أجواء ربيعية باردة طوال فترة الصيف في السعودية
  • آخر تحديث

في مشهد مناخي فريد يدعو للتأمل، برزت ظاهرة غير معتادة في أجواء المملكة العربية السعودية خلال الأيام الأخيرة، حيث سجلت بعض مناطق الشمال، مثل طريف والقريات، درجات حرارة ليلية أقل من نظيراتها في مناطق المصايف التقليدية الشهيرة مثل أبها والطائف والباحة، رغم أن الأخيرة تُعد من أشهر الوجهات الصيفية المعتدلة في المملكة.

هذه المناطق في السعودية ستشهد أجواء ربيعية باردة طوال فترة الصيف في السعودية 

هذا التناقض اللافت في درجات الحرارة طرح تساؤلات عديدة حول أسبابه العلمية، وهو ما تفضل بشرحه الدكتور عبدالله المسند، أستاذ المناخ السابق بجامعة القصيم، مستعرض عدد من العوامل الفلكية والمناخية المتشابكة التي تفسّر هذه الظاهرة غير المتوقعة.

الاختلاف في الموقع الفلكي وزاوية ميلان أشعة الشمس

تلعب خطوط العرض دور جوهري في تحديد خصائص المناخ المحلي، ويظهر هذا جليا عند مقارنة المناطق الشمالية من المملكة بالمصايف الجنوبية.

  • تقع طريف والقريات شمال على خطوط عرض تتراوح ما بين 30 إلى 32 درجة شمالًا.
  • بينما تقع أبها والباحة والطائف جنوب على خطوط عرض أدنى، تتراوح بين 18 إلى 21 درجة شمالًا.

ومع اقتراب موعد الانقلاب الصيفي في 21 يونيو من كل عام، تتجه الشمس تدريجي نحو مدار السرطان (23.5° شمالًا).

ونتيجة لذلك، تسقط الأشعة الشمسية بشكل شبه عمودي على المناطق الجنوبية، مما يؤدي إلى تسخين سطح الأرض بفعالية أكبر خلال النهار.

هذا التسخين المكثف لا يسمح للأرض أن تبرد سريعا عند الغروب، فيستمر تأثير الحرارة حتى الليل.

أما في الشمال، حيث تكون زاوية سقوط أشعة الشمس أكثر ميلان، فإن سطح الأرض يمتص حرارة أقل نسبيا، ويبرد بسرعة ملحوظة بعد غروب الشمس، مما يؤدي إلى انخفاض واضح في درجات الحرارة الليلية.

تأثير الجفاف وانخفاض الرطوبة على برودة الأجواء الليلية

تعد الرطوبة عامل أساسي في حفظ الحرارة في الطبقات القريبة من سطح الأرض.

وفي هذا الإطار، فإن المناطق الشمالية من المملكة تتميز بـجفاف الهواء وانخفاض نسب الرطوبة، ما يسمح بتسرب الحرارة المخزنة خلال النهار إلى الفضاء بمجرد غياب الشمس، دون وجود بخار الماء ليحتجز هذه الحرارة.

أما في المناطق الجنوبية، فتكون الأجواء أكثر رطوبة، مما يؤدي إلى نوع من الاستقرار الحراري، حيث تحتفظ الأرض ببعض من حرارتها الليلية، ويقل بذلك التباين بين درجات حرارة النهار والليل.

صفاء السماء وقلة السحب كعوامل معززة لتسرب الحرارة

من السمات المناخية البارزة لمناطق الشمال صفاء الأجواء وخلو السماء من الغيوم في أغلب الأوقات.

  • هذا الصفاء يسهل عملية الإشعاع الحراري الليلي، حيث تتسرب الحرارة من سطح الأرض إلى الغلاف الجوي والفضاء الخارجي دون عوائق.
  • بينما في المصايف الجنوبية، غالبا ما توجد طبقات خفيفة من الغيوم والسحب، والتي تقوم بدور أشبه بالبطانية الحرارية، تحجز بعض من حرارة النهار وتمنع الأرض من فقدانها بسرعة في الليل.

تنوع مناخي يعبر عن دقة النظام الكوني

في نهاية توضيحه العلمي، أكّد الدكتور عبدالله المسند على أن هذه المفارقة الحرارية ليست مجرد ظاهرة سطحية، بل تعكس ثراء التنوع المناخي داخل المملكة العربية السعودية، كما تبرز دقة التنظيم الكوني الذي يحكم حركة الشمس وتوزيع الحرارة على سطح الأرض.

إن هذا التباين الحراري بين الشمال والجنوب، على الرغم من المسافات الفاصلة بينهما، يعد شاهد على عظمة الخلق الإلهي وتوازن النظام المناخي، ويمنح المملكة طيف واسع من الأحوال الجوية التي تستحق الملاحظة والدراسة.

ليست كل المصايف أبرد بالضرورة، فالموقع الجغرافي، وزاوية الشمس، ونسب الرطوبة، ووجود الغيوم كلها عناصر تؤثر بدقة في حرارة الليل والنهار.

وفي ضوء هذه الحقيقة، تصبح طريف والقريات في بعض الليالي أكثر برودة من أبها والباحة، لتذكرنا الطبيعة دوما بأن الظواهر المناخية تحكمها قواعد دقيقة تستحق التأمل والفهم.